فصل: فصل: وإن أصاب الأرض ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


باب الصلاة بالنجاسة وغير ذلك

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا لم تكن ثيابه طاهرة وموضع صلاته طاهراً‏ أعاد‏]

وجملة ذلك أن الطهارة من النجاسة في بدن المصلى وثوبه شرط لصحة الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عباس وسعيد بن المسيب وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ويروى عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ليس على ثوب جنابة ونحوه عن أبي مجلز وسعيد بن جبير والنخعي وقال الحارث العكلى وابن أبي ليلى‏:‏ ليس في ثوب إعادة‏,‏ ورأى طاوس دما كثيرا في ثوبه وهو في الصلاة فلم يباله وسئل سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلى‏؟‏ فقال‏:‏ اقرأ على الآية التي فيها غسل الثياب ولنا قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وثيابك فطهر‏}‏ قال ابن سيرين‏:‏ هو الغسل بالماء وعن أسماء ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت‏:‏ ‏(‏سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن دم الحيض يكون في الثوب‏؟‏ قال‏:‏ اقرصيه‏,‏ وصلى فيه‏)‏ وفي لفظ قالت‏:‏ ‏(‏سمعت امرأة تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر أتصلى فيه‏؟‏ قال‏:‏ تنظر فيه فإن رأت دما فلتقرصه بشيء من ماء‏,‏ ولتنضح ما لم تر ولتصل فيه‏)‏ رواه أبو داود وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال ‏(‏إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله‏)‏ متفق عليه وفي رواية‏:‏ ‏"‏ لا يستنزه من بوله ‏"‏ ولأنها إحدى الطهارتين فكانت شرطا للصلاة‏,‏ كالطهارة من الحدث‏.‏

فصل

وطهارة موضع الصلاة شرط أيضا وهو الموضع الذي تقع عليه أعضاؤه وتلاقيه ثيابه التي عليه فلو كان على رأسه طرف عمامة‏,‏ وطرفها الآخر يسقط على نجاسة لم تصح صلاته وذكر ابن عقيل احتمالا فيما تقع عليه ثيابه خاصة أنه لا يشترط طهارته لأنه يباشرها بما هو منفصل عن ذاته‏,‏ أشبه ما لو صلى إلى جانبه إنسان نجس الثوب فالتصق ثوبه به والأول المذهب لأن سترته تابعة له فهي كأعضاء سجوده فأما إذا كان ثوبه يمس شيئا نجسا‏,‏ كثوب من يصلي إلى جانبه أو حائط لا يستند إليه فقال ابن عقيل‏:‏ لا تفسد صلاته بذلك لأنه ليس بمحل لبدنه ولا سترته‏,‏ ويحتمل أن تفسد لأن سترته ملاقية لنجاسة أشبه ما لو وقعت عليها وإن كانت النجاسة محاذية لجسمه في حال سجوده بحيث لا يلتصق بها شيء من بدنه ولا أعضائه لم يمنع صحة صلاته لأنه لم يباشر النجاسة‏,‏ فأشبه ما لو خرجت عن محاذاته‏.‏

فصل

وإذا صلى ثم رأى عليه نجاسة في بدنه أو ثيابه لا يعلم هل كانت عليه في الصلاة‏,‏ أو لا‏؟‏ فصلاته صحيحة لأن الأصل عدمها في الصلاة وإن علم أنها كانت في الصلاة لكن جهلها حتى فرغ من الصلاة ففيه روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ لا تفسد صلاته هذا قول ابن عمر وعطاء وسعيد بن المسيب وسالم ومجاهد والشعبي‏,‏ والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري وإسحاق وابن المنذر والثانية‏:‏ يعيد وهو قول أبي قلابة والشافعي لأنها طهارة مشترطة للصلاة‏,‏ فلم تسقط بجهلها كطهارة الحدث وقال ربيعة ومالك‏:‏ يعيد ما كان في الوقت ولا يعيد بعده ووجه الرواية الأولى‏,‏ ما روى أبو سعيد قال‏:‏ ‏(‏بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره‏,‏ فخلع الناس نعالهم فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاته قال‏:‏ ما حملكم على إلقائكم نعالكم‏؟‏ قالوا‏:‏ رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا قال‏:‏ إن جبريل أتانى فأخبرنى أن فيهما قذرا‏)‏ رواه أبو داود ولو كانت الطهارة شرطا‏,‏ مع عدم العلم بها لزمه استئناف الصلاة وتفارق طهارة الحدث لأنها آكد لأنها لا يعفى عن يسيرها‏,‏ وتختص البدن وإن كان قد علم بالنجاسة ثم نسيها وصلى‏,‏ فقال القاضي‏:‏ حكى أصحابنا في المسألتين روايتين وذكر هو في مسألة النسيان أن الصلاة باطلة لأنه منسوب إلى التفريط بخلاف الجاهل بها قال الآمدي‏:‏ يعيد إذا كان قد توانى‏,‏ رواية واحدة والصحيح التسوية بينهما لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان بل النسيان أولى لورود النص بالعفو فيه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان‏)‏ وإن علم بالنجاسة في أثناء الصلاة‏,‏ فإن قلنا يعذر فصلاته صحيحة ثم إن طرح النجاسة من غير زمن طويل ولا عمل كثير ألقاها‏,‏ وبنى كما خلع النبي - صلى الله عليه وسلم- نعليه حين أخبره جبريل بالقذر فيهما وإن احتاج أحد هذين بطلت صلاته لأنه يفضي إلى أحد أمرين إما استصحاب النجاسة مع العلم بها زمنا طويلا‏,‏ أو يعمل في الصلاة عملا كثيرا فتبطل به الصلاة فصار كالعريان يجد السترة بعيدة منه‏.‏

فصل

وإذا سقطت عليه نجاسة‏,‏ ثم زالت عنه أو أزالها في الحال لم تبطل صلاته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما علم بالنجاسة في نعليه خلعهما‏,‏ وأتم صلاته ولأن النجاسة يعفى عن يسيرها فعفي عن يسير زمنها‏,‏ ككشف العورة وهذا مذهب الشافعي‏.‏

فصل

وإذا صلى على منديل ، طرفه نجس أو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة ، وما يصلي عليه طاهر ، فصلاته صحيحة ، سواء تحرك النجس بحركته ، أو لم يتحرك ، لأنه ليس بحامل للنجاسة ، ولا بمصل عليها ، وإنما اتصل مصلاه بها ، أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة . وقال بعض أصحابنا : إذا كان النجس يتحرك بحركته ، لم تصح صلاته . والمعول على ما ذكرنا . فأما إن كان الحبل أو المنديل متعلقا به ، بحيث ينجر معه إذا مشى ، لم تصح صلاته ؛ لأنه مستتبع لها ، فهو كحاملها . ولو كان في يده أو وسطه حبل مشدود في نجاسة ، أو حيوان نجس ، أو سفينة صغيرة فيها نجاسة تنجر معه إذا مشى ، لم تصح صلاته ؛ لأنه مستتبع لها ، فهو كحاملها . وإن كانت السفينة كبيرة لا يمكنه جرها ، أو الحيوان كبيرا لا يقدر على جره إذا استعصى عليه ، لم تفسد صلاته ؛ لأنه ليس بمستتبع لها . قال القاضي : هذا إذا كان الشد في موضع طاهر ، فإن كان مشدودا في موضع نجس ، فسدت صلاته ؛ لأنه حامل لما هو ملاق للنجاسة . والأولى أن صلاته لا تفسد ؛ لأنه لا يقدر على استتباع ما هو ملاق للنجاسة ، فأشبه ما لو أمسك سفينة عظيمة فيها نجاسة ، أو غصنا من شجرة عليها نجاسة .

فصل

وإذا حمل في الصلاة حيوانا طاهرا أو صبيا لم تبطل صلاته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى وهو حامل أمامة ابنة أبي العاص متفق عليه وركب الحسن والحسين على ظهره وهو ساجد ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدته‏,‏ فهي كالنجاسة في معدة المصلى ولو حمل قارورة فيها نجاسة مسدودة لم تصح صلاته وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ لا تفسد صلاته لأن النجاسة لا تخرج منها‏,‏ فهي كالحيوان وليس بصحيح لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها في غير معدنها فأشبه ما لو حملها في كمه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وكذلك إن صلى في المقبرة أو الحش أو الحمام أو في أعطان الإبل أعاد‏]

اختلفت الرواية عن أحمد -رحمه الله- ‏,‏ في الصلاة في هذه المواضع فروى أن الصلاة لا تصح فيها بحال وممن روى عنه أنه كره الصلاة في المقبرة على وابن عباس‏,‏ وابن عمر وعطاء والنخعي وابن المنذر وممن رأى أن يصلي في مرابض الغنم ولا يصلي في مبارك الإبل ابن عمر وجابر بن سمرة‏,‏ والحسن ومالك وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وعن أحمد رواية أخرى أن الصلاة في هذه صحيحة ما لم تكن نجسة وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا‏)‏ وفي لفظ ‏(‏فحيثما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أينما أدركتك الصلاة فصل‏,‏ فإنه مسجد‏)‏ متفق عليها ولأنه موضع طاهر فصحت الصلاة فيه‏,‏ كالصحراء ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة‏)‏ رواه أبو داود وهذا خاص مقدم على عموم ما رووه وعن جابر بن سمرة ‏(‏أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أنصلى في في مرابض الغنم‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أنصلى في مبارك الإبل‏؟‏ قال‏:‏ لا‏)‏ رواه مسلم وعن البراء قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين‏)‏ رواه أبو داود وعن أسيد بن حضير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏صلوا في مرابض الغنم‏,‏ ولا تصلوا في مبارك الإبل‏)‏ رواه الإمام أحمد في ‏"‏ مسنده ‏"‏ والنهى يقتضي التحريم وهذا خاص يقدم على عموم ما رووه وروى هذا الحديث عن ابن عمر‏,‏ وأبي هريرة وعبد الله بن مغفل رواهن الأثرم فأما الحش فإن الحكم يثبت فيه بالتنبيه لأنه إذا منع من الصلاة في هذه المواضع لكونها مظان النجاسة‏,‏ فالحش معد للنجاسة ومقصود لها فهو أولى بالمنع فيه وقال بعض أصحابنا‏:‏ إن كان المصلى عالما بالنهى في هذه المواضع لم تصح صلاته فيها لأنه عاص بصلاته فيها‏,‏ والمعصية لا تكون قربة ولا طاعة وإن لم يكن عالما فهل تصح صلاته‏؟‏ على روايتين إحداهما لا تصح لأنه صلى فيما لا تصح الصلاة فيه مع العلم‏,‏ فلا تصح مع الجهل كالصلاة في محل نجس والثانية‏:‏ تصح لأنه معذور‏.‏

فصل

وذكر بعض أصحابنا مع هذه المواضع المزبلة والمجزرة‏,‏ ومحجة الطريق وظهر بيت الله الحرام والموضع المغصوب لما روى ابن عمر‏,‏ أن رسول الله صلى - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏سبع مواطن لا تجوز فيها الصلاة ظهر بيت الله والمقبرة والمزبلة‏,‏ والمجزرة والحمام وعطن الإبل‏,‏ ومحجة الطريق‏)‏ رواه ابن ماجه وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يصلي في سبع مواطن وذكرها وقال‏:‏ وقارعة الطريق ومعاطن الإبل‏,‏ وفوق الكعبة‏)‏ وقال‏:‏ الحكم في هذه المواضع السبعة كالحكم في الأربعة سواء ولأن المواضع مظنة النجاسات فعلق الحكم عليها دون حقيقتها كما يثبت حكم نقض الطهارة بالنوم‏,‏ ووجوب الغسل بالتقاء الختانين‏.‏

فصل

قال القاضي‏:‏ المنع من هذه المواضع تعبد لا لعلة معقولة فعلى هذا يتناول النهى كل ما وقع عليه الاسم فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة‏,‏ وما تقلبت أتربتها أو لم تتقلب لتناول الاسم لها فإن كان في الموضع قبر أو قبران لم يمنع من الصلاة فيها لأنها لا يتناولها اسم المقبرة وإن نقلت القبور منها‏,‏ جازت الصلاة فيها لأن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كانت فيه قبور المشركين فنبشت متفق عليه ولا فرق في الحمام بين مكان الغسل وصب الماء وبين بيت المسلخ - الذي ينزع فيه الثياب - والأتون وكل ما يغلق عليه باب الحمام لتناول الاسم له وأما المعاطن‏,‏ فقال أحمد‏:‏ هي التي تقيم فيها الإبل وتأوى إليها وقيل‏:‏ هي المواضع التي تناخ فيها إذا وردت والأول أجود لأنه جعله مقابلة مراح الغنم والحش‏:‏ المكان الذي يتخذ للغائط والبول فيمنع من الصلاة فيما هو داخل بابه ولا أعلم في منع الصلاة فيه إلا أنه قد منع من ذكر الله تعالى فيه والكلام فمنع الصلاة فيه أولى ولأنه إذا منع الصلاة في هذه المواضع لكونها مظان للنجاسات‏,‏ فهذا أولى فإنه بنى لها ويحتمل أن المنع في هذه المواضع معلل بأنها مظان للنجاسات فإن المقبرة تنبش ويظهر التراب الذي فيه صديد الموتى ودماؤهم ولحومهم ومعاطن الإبل يبال فيها‏,‏ فإن البعير البارك كالجدار يمكن أن يستتر به ويبول كما روى عن ابن عمر أنه أناخ بعيره مستقبل القبلة‏,‏ ثم جلس يبول إليه ولا يتحقق هذا في حيوان سواها لأنه في حال ربضه لا يستر وفي حال قيامه لا يثبت ولا يستر والحمام موضع الأوساخ والبول فنهى عن الصلاة فيها لذلك وتعلق الحكم بها وإن كانت طاهرة لأن المظنة يتعلق الحكم بها وإن خفيت الحكمة فيها‏,‏ ومتى أمكن تعليل الحكم تعين تعليله وكان أولى من قهر التعبد ومرارة التحكم يدل على صحة هذا تعدية الحكم إلى الحش المسكوت عنه‏,‏ بالتنبيه من وجود معنى المنطوق فيه وإلا لم يكن ذلك تنبيها فعلى هذا يمكن قصر الحكم على ما هو مظنة منها‏,‏ فلا يثبت حكم المنع في موضع المسلخ من الحمام ولا في وسطه لعدم المظنة فيه‏,‏ وكذلك ما أشبهه والله أعلم‏.‏

فصل

وزاد أصحابنا المجزرة والمزبلة ومحجة الطريق‏,‏ وظهر الكعبة لأنها في خبر عمر وابنه وقالوا‏:‏ لا يجوز فيها الصلاة ولم يذكرها الخرقي فيحتمل أنه جوز الصلاة فيها وهو قول أكثر أهل العلم لعموم قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏جعلت لي الأرض مسجدا‏)‏ وهو صحيح متفق عليه واستثنى منه المقبرة والحمام‏,‏ ومعاطن الإبل بأحاديث صحيحة خاصة ففيما عدا ذلك يبقى على العموم وحديث عمر وابنه يرويهما العمرى ‏,‏ وزيد بن جبير وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما فلا يترك الحديث الصحيح بحديثهما وهذا أصح وأكثر أصحابنا‏,‏ فيما علمت عملوا بخبر عمر وابنه في المنع من الصلاة في المواضع السبعة ومعنى محجة الطريق‏:‏ الجادة المسلوكة التي تسلكها السابلة وقارعة الطريق‏:‏ يعنى التي تقرعها الأقدام فاعلة بمعنى مفعولة‏,‏ مثل الأسواق والمشارع والجادة للسفر ولا بأس بالصلاة فيما علا منها يمنة ويسرة ولم يكثر قرع الأقدام فيه وكذلك لا بأس بالصلاة في الطريق التي يقل سالكوها كطرق الأبيات اليسيرة والمجزرة‏:‏ الموضع الذي يذبح القصابون فيه البهائم وشبههم معروفا بذلك معدا والمزبلة‏:‏ الموضع الذي يجمع فيه الزبل ولا فرق في هذه المواضع بين ما كان منها طاهرا ونجسا‏,‏ ولا بين كون الطريق فيها سالكا أو لم يكن ولا في المعاطن بين أن يكون فيها إبل في الوقت أو لم يكن وأما المواضع التي تبيت فيها الإبل في مسيرها أو تناخ فيها لعلفها أو وردها فلا يمنع الصلاة فيها قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن موضع فيه أبعار الإبل يصلي فيه‏؟‏ فرخص فيه‏,‏ ثم قال‏:‏ إذا لم يكن من معاطن الإبل التي نهى عن الصلاة فيها التي تأوى إليها الإبل‏.‏

فصل

ويكره أن يصلي إلى هذه المواضع فإن فعل صحت صلاته نص عليه أحمد في رواية أبي طالب وقد سئل عن الصلاة إلى المقبرة والحمام والحش‏؟‏ قال‏:‏ لا ينبغي أن يكون في القبلة قبر‏,‏ ولا حش ولا حمام فإن كان يجزئه وقال أبو بكر‏:‏ يتوجه في الإعادة قولان أحدهما‏:‏ يعيد لموضع النهى وبه أقول والثاني‏:‏ يصح لأنه لم يصل في شيء من المواضع المنهي عنها وقال أبو عبد الله بن حامد‏:‏ إن صلى إلى المقبرة والحش فحكمه حكم المصلى فيهما إذا لم يكن بينه وبينهما حائل لما روى أبو مرثد الغنوي‏,‏ أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا إليها‏)‏ متفق عليه وقال الأثرم‏:‏ ذكر أحمد حديث أبي مرثد ثم قال‏:‏ إسناده جيد وقال أنس‏:‏ رآنى عمر‏,‏ وأنا أصلى إلى قبر فجعل يشير إلى‏:‏ القبر القبر قال القاضي‏:‏ وفي هذا تنبيه على نظائره من المواضع التي نهى عن الصلاة فيها والصحيح أنه لا بأس بالصلاة إلى شيء من هذه المواضع إلا المقبرة لأن قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏جعلت الأرض مسجدا‏)‏ يتناول الموضع الذي يصلي فيه من هي في قبلته‏,‏ وقياس ذلك على الصلاة إلى المقبرة لا يصح لأن النهى إن كان تعبدا غير معقول المعنى امتنع تعديته ودخول القياس فيه وإن كان لمعنى مختص بها وهو اتخاذ القبور مسجدا‏,‏ والتشبه بمن يعظمها ويصلى إليها فلا يتعداها الحكم لعدم وجود المعنى في غيرها وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد‏,‏ إني أنهاكم عن ذلك‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏)‏ يحذر ما صنعوا متفق عليهما فعلى هذا لا تصح الصلاة إلى القبور للنهى عنها ويصح إلى غيرها لبقائها في عموم الإباحة وامتناع قياسها على ما ورد النهى فيه‏,‏ والله أعلم‏.‏

فصل

وإن صلى على سطح الحش أو الحمام أو عطن الإبل أو غيرها فذكر القاضي أن حكمه حكم المصلى فيها لأن الهواء تابع للقرار فيثبت فيه حكمه‏,‏ ولذلك لو حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث‏,‏ ولو خرج المعتكف إلى سطح المسجد كان له ذلك لأن حكمه حكم المسجد والصحيح إن شاء الله قصر النهى على ما تناوله‏,‏ وأنه لا يعدى إلى غيره لأن الحكم إن كان تعبديا فالقياس فيه ممتنع وإن علل فإنما تعلل بكونه للنجاسة ولا يتخيل هذا في سطحها فأما إن بنى على طريق ساباطا أو أخرج عليه خروجا‏,‏ فعلى قول القاضي‏:‏ حكمه حكم الطريق لما ذكره فيما تقدم وعلى قولنا إن كان الساباط مباحا له‏,‏ مثل أن يكون في درب غير نافذ بإذن أهله أو مستحقا له أو حدث الطريق بعده‏,‏ فلا بأس بالصلاة عليه وإن كان على طريق نافذ فليس ذلك له‏,‏ فيكون المصلى فيه كالمصلى في الموضع المغصوب على ما سنذكره -إن شاء الله تعالى- وإن كان الساباط على نهر تجرى فيه السفن فهو كالساباط على الطريق في القولين جميعا وهذا مما يدل على ما ذكرناه لأنه لو كانت العلة كونه تابعا للقرار‏,‏ لجازت الصلاة ها هنا لكون القرار غير ممنوع من الصلاة فيه بدليل ما لو صلى عليه في سفينة‏,‏ أو لو جمد ماؤه فصلى عليه صح ولأنه لو كانت العلة ما ذكره لصحت الصلاة على ما حاذى ميمنة الطريق وميسرتها‏,‏ وما لا تقرعه الأقدام منها وهذا فيما إذا كان السطح جاريا على موضع النهى فإن كان المسجد سابقا‏,‏ وجعل تحته طريق أو عطن أو غيرهما من مواضع النهى أو كان في غير مقبرة فحدثت المقبرة حوله لم تمتنع الصلاة فيه بغير خلاف‏,‏ لأنه لم يتبع ما حدث بعده والله أعلم‏.‏

فصل

وإن بنى مسجدا في المقبرة بين القبور ، فحكمه حكمها ؛ لأنه لا يخرج بذلك عن أن يكون في المقبرة . وقد روى قتادة : أن أنسا مر على مقبرة ، وهم يبنون فيها مسجدا ، فقال أنس : كان يكره أن يبنى مسجد في وسط القبور.

فصل

ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها وجوزه الشافعي وأبو حنيفة لأنه مسجد‏,‏ ولأنه محل لصلاة النفل فكان محلا للفرض كخارجها ولنا‏:‏ قول الله تعالى ‏(‏وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏)‏ والمصلى فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها‏,‏ والنافلة مبناها على التخفيف والمسامحة بدليل صلاتها قاعدا وإلى غير القبلة‏,‏ في السفر على الراحلة‏.‏

فصل

وتصح النافلة في الكعبة وعلى ظهرها لا نعلم فيه خلافا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى في البيت ركعتين إلا أنه إن صلى تلقاء الباب أو على ظهرها وكان بين يديه شيء من بناء الكعبة متصل بها صحت صلاته‏,‏ فإن لم يكن بين يديه شيء شاخص أو كان بين يديه آجر معبأ غير مبنى أو خشب غير مسمور فيها‏,‏ فقال أصحابنا‏:‏ لا تصح صلاته لأنه غير مستقبل لشيء منها وإن كان الخشب مسمورا والآجر مبنيا صحت صلاته لأن ذلك تابع لها والأولى أنه لا يشترط كون شيء منها بين يديه لأن الواجب استقبال موضعها وهوائها دون حيطانها‏,‏ بدليل ما لو انهدمت الكعبة صحت الصلاة إلى موضعها ولو صلى على جبل عال يخرج عن مسامتتها‏,‏ صحت صلاته إلى هوائها كذا ها هنا‏.‏

فصل

وفي الصلاة في الموضع المغصوب روايتان‏:‏ إحداهما لا تصح وهو أحد قولي الشافعي والثانية‏,‏ تصح وهو قول أبي حنيفة ومالك والقول الثاني للشافعي لأن النهى لا يعود إلى الصلاة فلم يمنع صحتها‏,‏ كما لو صلى وهو يرى غريقا يمكنه إنقاذه فلم ينقذه‏,‏ أو حريقا يقدر على إطفائه فلم يطفئه أو مطل غريمه الذي يمكن إيفاؤه وصلى ولنا أن الصلاة عبادة أتى بها على الوجه المنهي عنه‏,‏ فلم تصح كصلاة الحائض وصومها وذلك لأن النهى يقتضي تحريم الفعل‏,‏ واجتنابه والتأثيم بفعله فكيف يكون مطيعا بما هو عاص به‏,‏ ممتثلا بما هو محرم عليه متقربا بما يبعد به فإن حركاته وسكناته من القيام والركوع والسجود أفعال اختيارية‏,‏ هو عاص بها منهى عنها فأما من رأى الحريق فليس بمنهى عن الصلاة إنما هو مأمور بإطفاء الحريق وإنقاذ الغريق‏,‏ وبالصلاة إلا أن أحدهما آكد من الآخر أما في مسألتنا فإن أفعال الصلاة في نفسها منهى عنها إذا ثبت هذا فلا فرق بين غصبه لرقبة الأرض بأخذها‏,‏ أو دعواه ملكيتها وبين غصبه منافعها بأن يدعى إجارتها ظالما‏,‏ أو يضع يده عليها ليسكنها مدة أو يخرج روشنا أو ساباطا في موضع لا يحل له أو يغصب راحلة ويصلى عليها أو سفينة ويصلى فيها أو لوحا فيجعله في سفينة ويصلى عليها‏,‏ كل ذلك حكمه في الصلاة حكم الدار على ما بيناه‏.‏

فصل

قال أحمد - -رحمه الله- -‏:‏ تصلي الجمعة في الموضع الغصب يعنى لو كان الجامع أو موضع منه مغصوبا صحت الصلاة فيه لأن الجمعة تختص ببقعة‏,‏ فإذا صلاها الإمام في الموضع المغصوب فامتنع الناس من الصلاة فيه فاتتهم الجمعة‏,‏ وإن امتنع بعضهم فاتته الجمعة ولذلك أبيحت خلف الخوارج والمبتدعة‏,‏ وكذلك تصح في الطرق ورحاب المسجد لدعاء الحاجة إلى فعلها في هذه المواضع وكذلك في الأعياد والجنازة‏.‏

فصل

قال أحمد - رحمه الله - : أكره الصلاة في أرض الخسف ؛ وذلك لأنها موضع مسخوط عليه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم مر بالحجر: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ما أصابهم) متفق عليه

فصل

ولا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة‏,‏ رخص فيها الحسن وعمر بن عبد العزيز والشعبي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وروى أيضا عن عمر وأبي موسى وكره ابن عباس ومالك الكنائس من أجل الصور ولنا ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى في الكعبة وفيها صور‏)‏ ثم هي داخلة في قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد ‏)‏‏.‏

فصل

وإذا كانت الأرض نجسة‏,‏ فطينها بطاهر أو بسط عليها شيئا طاهرا صحت الصلاة مع الكراهة‏,‏ في ظاهر كلام أحمد -رحمه الله- وهو قول طاوس ومالك‏,‏ والأوزاعي والشافعي وإسحاق‏,‏ وذكر أصحابنا في المسألة روايتين إحداهما‏:‏ لا تصح لأنها مدفن النجاسة فأشبهت المقبرة ولنا أن الطهارة إنما تشترط في بدن المصلى وثوبه وموضع صلاته وقد وجد ذلك كله‏,‏ ولا نسلم العلة في الأصل فإنه لو صلى بين القبور لم تصح صلاته وإن لم يكن مدفنا للنجاسة وقد قيل‏:‏ إن الحكم غير معلل فلا يقاس عليه‏.‏

فصل

ويكره تطيين المسجد بطين نجس‏,‏ أو تطبيقه بطوابق نجسة أو بناؤه بلبن نجس أو آجر نجس‏,‏ فإن فعل وباشر المصلى أرضه النجسة ببدنه أو ثيابه لم تصح صلاته وأما الآجر المعجون بالنجاسة‏,‏ فهو نجس لأن النار لا تطهره فإن غسل طهر ظاهره لأن النار أكلت أجزاء النجاسة الظاهرة وبقي أثرها‏,‏ فتطهر بالغسل كالأرض النجسة ويبقى باطنها نجسا لأن الماء لم يصل إليه فإن صلى عليه بعد الغسل فهو كما لو صلى على بساط طاهر مفروش على أرض نجسة‏,‏ وذلك الحكم في البساط الذي باطنه نجس وظاهره طاهر ومتى انكسر من الآجر النجس قطعة فظهر بعض باطنه فهو نجس‏,‏ لا تصح الصلاة عليه‏.‏

فصل

ولا بأس بالصلاة على الحصير والبسط من الصوف والشعر والوبر والثياب من القطن والكتان وسائر الطاهرات وصلى عمر على عبقرى وابن عباس على طنفسة وزيد بن ثابت وجابر على حصير وعلى وابن عباس وابن مسعود وأنس على المنسوج وهو قول عوام أهل العلم إلا ما روى عن جابر‏,‏ أنه كره الصلاة على كل شيء من الحيوان واستحب الصلاة على كل شيء من نبات الأرض ونحوه قال مالك إلا أنه قال في بساط الصوف والشعر‏:‏ إذا كان سجوده على الأرض لم أر بالقيام عليه بأسا والصحيح‏:‏ أنه لا بأس بالصلاة على شيء من ذلك‏,‏ وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- على حصير في بيت عتبان بن مالك وأنس متفق عليهما وروى عنه المغيرة بن شعبة ‏(‏‏,‏ أنه كان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة‏)‏ وفيما رواه ابن ماجه ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى ملتفا بكساء‏,‏ يضع يده عليه إذا سجد‏)‏ ولأن ما لم تكره الصلاة فيه لم تكره الصلاة عليه كالكتان والخوص وتصح الصلاة على ظهر الحيوان إذا أمكنه استيفاء الأركان عليه والنافلة في السفر وإن كان الحيوان نجسا‏,‏ أو عليه بساط طاهر صحت الصلاة عليه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى على حمار وفعله أنس وتصح الصلاة على العجلة وهي خشب على بكرات‏,‏ إذا أمكنه ذلك لأنها محل تستقر عليه أعضاؤه فهي كغيرها‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإن صلى وفي ثوبه نجاسة وإن قلت أعاد‏]

وقد ذكرنا أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة ولا فرق بين كثيرها وقليلها إلا فيما نذكره بعد‏,‏ -إن شاء الله تعالى- وممن قال‏:‏ لا يعفى عن يسير البول مثل رءوس الإبر مالك والشافعي وأبو ثور وقال أبو حنيفة‏:‏ يعفى عن يسير جميع النجاسات لأنه يتحرى فيها بالمسح في محل الاستنجاء ولو لم يعف عنها لم يكف فيها المسح كالكثير‏,‏ ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كالدم ولنا‏:‏ عموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وثيابك فطهر‏}‏ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه‏)‏ ولأنها نجاسة لا تشق إزالتها‏,‏ فوجبت إزالتها كالكثير وأما الدم فإنه يشق التحرز منه فإن الإنسان لا يكاد يخلو من بثرة أو حكة أو دمل‏,‏ ويخرج من أنفه وفيه وغيرهما فيشق التحرز من يسيره أكثر من كثيره ولهذا فرق في الوضوء بين قليله وكثيره ‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏إلا أن يكون ذلك دما أو قيحا يسيرا مما لا يفحش في القلب‏]

أكثر أهل العلم يرون العفو عن يسير الدم والقيح وممن روى عنه ابن عباس‏,‏ وأبو هريرة وجابر وابن أبي أوفى‏,‏ وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وطاوس‏,‏ ومجاهد وعروة ومحمد بن كنانة‏,‏ والنخعي وقتادة والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه‏,‏ وأصحاب الرأي وكان ابن عمر ينصرف من قليله وكثيره وقال الحسن‏:‏ كثيره وقليله سواء ونحوه عن سليمان التيمى لأنه نجاسة فأشبه البول ‏.‏

ولنا ما روي عن عائشة قالت‏:‏ قد كان يكون لإحدانا الدرع‏,‏ فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها وفي لفظ‏:‏ ما كان لإحدانا إلا ثوب‏,‏ فيه تحيض فإن أصابه شيء من دمها بلته بريقها ثم قصعته بظفرها رواه أبو داود وهذا يدل على العفو عنه لأن الريق لا يطهر به ويتنجس به ظفرها‏,‏ وهو إخبار عن دوام الفعل ومثل هذا لا يخفى على النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا يصدر إلا عن أمره ولأنه قول من سمينا من الصحابة‏,‏ ولا مخالف لهم في عصرهم فيكون إجماعا وما حكى عن ابن عمر فقد روى عنه خلافه فروى الأثرم بإسناده‏,‏ عن نافع أن ابن عمر كان يسجد فيخرج يديه‏,‏ فيضعهما بالأرض وهما يقطران دما من شقاق كان في يديه‏,‏ وعصر بثرة فخرج منها شيء من دم وقيح فمسحه بيده وصلى ولم يتوضأ وانصرافه منه في بعض الحالات لا ينافى ما رويناه عنه‏,‏ فقد يتورع الإنسان عن بعض ما يرى جوازه ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كأثر الاستنجاء‏.‏

فصل

وظاهر مذهب أحمد‏,‏ أن اليسير ما لا يفحش في القلب وهو قول ابن عباس قال‏:‏ إلا إذا كان فاحشا أعاده وروى ذلك عن سعيد بن المسيب وروي عن أحمد أنه سئل عن الكثير‏؟‏ فقال‏:‏ شبر في شبر وقال في موضع قال‏:‏ قدر الكف فاحش وظاهر مذهبه‏,‏ أنه ما فحش في قلب من عليه الدم وقال ابن عباس‏:‏ ما فحش في قلبك قال الخلال‏:‏ والذي استقر عليه قوله في الفاحش أنه على قدر ما يستفحشه كل إنسان في نفسه وقال ابن عقيل‏:‏ إنما يعتبر ما يفحش في نفوس أوساط الناس وقال قتادة في موضع الدرهم‏:‏ فاحش ونحوه عن النخعي وسعيد بن جبير وحماد بن أبي سليمان والأوزاعي‏,‏ وأصحاب الرأي لأنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم‏)‏ ولنا أنه لا حد له في الشرع فرجع فيه إلى العرف كالتفرق والإحراز‏,‏ وما رووه لا يصح فإن الحافظ أبا الفضل المقدسي قال‏:‏ هو موضوع ولأنه إنما يدل على محل النزاع‏,‏ بدليل خطابه وأصحاب الرأي لا يرونه حجة‏.‏

فصل

والقيح والصديد‏,‏ وما تولد من الدم بمنزلته إلا أن أحمد قال‏:‏ هو أسهل من الدم وروي عن ابن عمر‏,‏ والحسن أنهما لم يرياه كالدم وقال أبو مجلز في الصديد‏:‏ إنما ذكر الله الدم المسفوح وقال أمى بن ربيعة رأيت طاوسا كأن إزاره نطع من قروح كانت برجليه وقال إسماعيل السراج‏:‏ رأيت حاشية إزار مجاهد قد ثبتت من الصديد والدم من قروح كانت بساقيه وقال إبراهيم‏,‏ في الذي يكون به الحبون‏:‏ يصلي ولا يغسله فإذا برئ غسله وقال عروة ومحمد بن كنانة مثل ذلك فعلى هذا يعفى منه عن أكثر مما يعفى عن مثله من الدم لأنه لا يفحش منه إلا أكثر من الدم‏,‏ ولأن هذا لا نص فيه وإنما ثبتت النجاسة فيه لأنه مستحيل من الدم إلى حال مستقذرة‏.‏

فصل

ولا فرق بين كون الدم مجتمعا أو متفرقا بحيث إذا جمع بلغ هذا القدر‏,‏ ولو كانت النجاسة في شيء صفيق قد نفذت من الجانبين فاتصل ظاهره بباطنه‏,‏ فهو نجاسة واحدة وإن لم يتصلا بل كان بينهما شيء لم يصبه الدم فهما نجاستان‏,‏ إذا بلغا - لو جمعا - قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنهما كما لو كانا في جانبى الثوب‏.‏

فصل

ويعفى عن يسير دم الحيض لما ذكرنا من حديث عائشة رضي الله عنها وعن سائر دماء الحيوانات الطاهرة فأما دم الكلب والخنزير فلا يعفى عن يسيره لأن رطوباته الطاهرة من غيره لا يعفى عن شيء منها‏,‏ فدمه أولى ولأنه أصاب جسم الكلب فلم يعف عنه كالماء إذا أصابه وهكذا كل دم أصاب نجاسة غير معفو عنها‏,‏ لم يعف عن شيء منه لذلك‏.‏

فصل

ودم ما لا نفس له سائلة كالبق والبراغيث‏,‏ والذباب ونحوه فيه روايتان إحداهما‏,‏ أنه طاهر وممن رخص في دم البراغيث عطاء وطاوس والحسن والشعبي والحاكم وحبيب بن أبي ثابت وحماد والشافعي وإسحاق ولأنه لو كان نجسا لنجس الماء اليسير إذا مات فيه فإنه إذا مكث في الماء لا يسلم من خروج فضلة منه فيه‏,‏ ولأنه ليس بدم مسفوح وإنما حرم الله الدم المسفوح والرواية الثانية عن أحمد‏,‏ قال في دم البراغيث إذا كثر‏:‏ إني لأفزع منه وقال النخعي‏:‏ اغسل ما استطعت وقال مالك في دم البراغيث‏:‏ إذا كثر وانتشر فإنى أرى أن يغسل والأول أظهر وقول أحمد‏:‏ إني لأفزع منه ليس بصريح في نجاسته وإنما هو دليل على توقفه فيه‏,‏ وليس المنسوب إلى البراغيث دما إنما هو بولها في الظاهر وبول هذه الحشرات ليس بنجس والله أعلم وقال أبو الخطاب‏:‏ دم السمك طاهر لأن إباحته لا تقف على سفحه‏,‏ ولو كان نجسا لوقفت الإباحة على إراقته بالذبح كحيوان البر ولأنه إذا ترك استحال فصار ماء وقال أبو ثور‏:‏ هو نجس لأنه دم مسفوح‏,‏ فيدخل في عموم قوله تعالى ‏{‏أو دما مسفوحا ‏}‏‏.‏

فصل

واختلفت الرواية في العفو عن يسير القيء فروى عن أحمد أنه قال‏:‏ هو عندي بمنزلة الدم وذلك لأنه خارج من الإنسان نجس من غير السبيل‏,‏ فأشبه الدم وروى عنه في المذى أنه قال‏:‏ يغسل ما أصاب الثوب منه إلا أن يكون يسيرا وروى الخلال بإسناده قال‏:‏ سئل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن المذى يخرج‏,‏ فكلهم قال‏:‏ إنه بمنزلة القرحة فما علمت منه فاغسله وما غلبك منه فدعه‏,‏ ولأنه يخرج من الشباب كثيرا فيشق التحرز منه فعفي عن يسيره‏,‏ كالدم وكذلك المنى إذا قلنا بنجاسته وروى عنه في الودى مثل ذلك إلا أن الظاهر عنه أن حكمه حكم البول لأنه من مخرجه وروي عن أحمد أيضا أنه يعفى عن ريق البغل والحمار وعرقهما إذا كان يسيرا وهو الظاهر عن أحمد قال الخلال‏:‏ وعليه مذهب أبي عبد الله لأنه يشق التحرز منه قال أحمد‏:‏ من يسلم من هذا ممن يركب الحمير‏,‏ إلا إني أرجو أن يكون ما خف منه أسهل قال القاضي‏:‏ وكذلك ما كان في معناهما من سباع البهائم سوى الكلب والخنزير وكذلك الحكم في أبوالها وأرواثها‏,‏ وبول الخفاش قال الشعبي والحاكم وحماد وحبيب بن أبي ثابت‏:‏ لا بأس ببول الخفافيش وكذلك الخفاش لأنه يشق التحرز منه فإنه في المساجد يكثر فلو لم يعف عن يسيره لم يقر في المساجد وكذلك بول ما يؤكل لحمه‏,‏ إن قلنا بنجاسته لأنه يشق التحرز منه لكثرته وعن أحمد‏:‏ لا يعفى عن يسير شيء من ذلك لأن الأصل أن لا يعفى عن شيء من النجاسة خولف في الدم وما تولد منه فيبقى فيما عداه على الأصل‏.‏

فصل

وقد عفي عن النجاسات المغلظة لأجل محلها‏,‏ في ثلاثة مواضع أحدها محل الاستنجاء فعفي فيه عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء‏,‏ واستيفاء العدد بغير خلاف نعلمه واختلف أصحابنا في طهارته فذهب أبو عبد الله بن حامد‏,‏ وأبو حفص بن المسلمة إلى طهارته وهو ظاهر كلام أحمد فإنه قال في المستجمر يعرق في سراويله‏:‏ لا بأس به ولو كان نجسا لنجسه ووجه ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏,‏ في الروث والرمة‏:‏ إنهما لا يطهران‏)‏ مفهومه أن غيرهما يطهر‏,‏ ولأنه معنى يزيل حكم النجاسة فيزيلها كالماء وقال أصحابنا المتأخرون‏:‏ لا يطهر المحل بل هو نجس‏,‏ فلو قعد المستجمر في ماء يسير نجسه ولو عرق كان عرقه نجسا لأن المسح لا يزيل أجزاء النجاسة كلها فالباقي منها نجس‏,‏ لأنه عين النجاسة فأشبه ما لو وجد في المحل وحده الثاني‏:‏ أسفل الخف والحذاء إذا أصابته نجاسة‏,‏ فدلكها بالأرض حتى زالت عين النجاسة ففيه ثلاث روايات‏:‏ إحداهن يجزئ دلكه بالأرض وتباح الصلاة فيه وهو قول الأوزاعي‏,‏ وإسحاق لما روى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى‏,‏ فإن التراب له طهور‏)‏ وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك وعن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر‏,‏ فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما‏)‏ وعن ابن مسعود قال‏:‏ كنا لا نتوضأ من موطئ رواهما أبو داود ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم قال أبو مسلمة سعيد بن يزيد‏:‏ سألت أنس بن مالك‏:‏ أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي في نعليه‏؟‏ قال‏:‏ نعم متفق عليه والظاهر أن النعل لا تخلو من نجاسة تصيبها‏,‏ فلو لم يجزئ دلكها لم تصح الصلاة فيها والثانية يجب غسله كسائر النجاسات فإن الدلك لا يزيل جميع أجزاء النجاسة والثالثة يجب غسله من البول والعذرة دون غيرهما لتغلظ نجاستهما وفحشهما والأول أولى لأن اتباع الأثر واجب فإن قيل‏:‏ فقول النبي - صلى الله عليه وسلم- في نعليه‏,‏ إن فيهما قذرا يدل على أنه لم يجز دلكهما ولم يزل القذر منهما قلنا‏:‏ لا دلالة في هذا لأنه لم ينقل أنه دلكهما والظاهر أنه لم يدلكهما لأنه لم يعلم بالقذر فيهما‏,‏ حتى أخبره جبريل عليه السلام إذا ثبت هذا فإن دلكهما يطهرهما في قول ابن حامد لظاهر الأخبار وقال غيره‏:‏ يعفى عنه مع بقاء نجاسته‏,‏ كقولهم في أثر الاستنجاء وقال القاضي‏:‏ إنما يجزئ دلكهما بعد جفاف نجاستهما لأنه لا يبقى لها أثر وإن دلكهما قبل جفافهما لم يجزه ذلك لأن رطوبة النجاسة باقية فلا يعفى عنها وظاهر الأخبار لا يفرق بين رطب وجاف ولأنه محل اجتزئ فيه بالمسح فجاز في حال رطوبة الممسوح كمحل الاستنجاء ولأن رطوبة المحل معفو عنها إذا جفت قبل الدلك‏,‏ فيعفى عنها إذا جفت به كالاستجمار الثالث‏:‏ إذا جبر عظمه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر وأجزأته صلاته‏,‏ لأنها نجاسة باطنة يتضرر بإزالتها فأشبهت دماء العروق وقيل‏:‏ يلزمه قلعه ما لم يخف التلف وإن سقط سن من أسنانه فأعادها بحرارتها‏,‏ فثبتت فهي طاهرة لأنها بعضه والآدمى بجملته طاهر حيا وميتا‏,‏ فكذلك بعضه وقال القاضي‏:‏ هي نجسة حكمها حكم سائر العظام النجسة لأن ما أبين من حى فهو ميت وإنما حكم بطهارة الجملة لحرمتها وحرمتها آكد من حرمة البعض‏,‏ فلا يلزم من الحكم بطهارتها الحكم بطهارة ما دونها‏.‏

فصل

وإذا كان على الأجسام الصقيلة كالسيف والمرآة نجاسة فعفي عن يسيرها‏,‏ كالدم ونحوه عفي عن أثر كثيرها بالمسح لأن الباقي بعد المسح يسير وإن كثر محله عفي عنه‏,‏ كيسير غيره‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا خفي موضع النجاسة من الثوب استظهر حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة‏]

وجملته أن النجاسة إذا خفيت في بدن أو ثوب وأراد الصلاة فيه‏,‏ لم يجز له ذلك حتى يتيقن زوالها ولا يتيقن ذلك حتى يغسل كل محل يحتمل أن تكون النجاسة أصابته فإذا لم يعلم جهتها من الثوب غسله كله وإن علمها في إحدى جهتيه غسل تلك الجهة كلها وإن رآها في بدنه‏,‏ أو ثوب - هو لابسه - غسل كل ما يدركه بصره من ذلك وبهذا قال النخعي والشافعي ومالك وابن المنذر وقال عطاء والحكم وحماد‏:‏ إذا خفيت النجاسة في الثوب نضحه كله وقال ابن شبرمة‏:‏ يتحرى مكان النجاسة فيغسله ولعلهم يحتجون بحديث سهل بن حنيف في المذى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ قلت يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبى منه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يجزئك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه‏)‏ فأمره بالتحرى والنضح ولنا‏,‏ أنه متيقن للمانع من الصلاة فلم تبح له الصلاة إلا بتيقن زواله كمن تيقن الحدث وشك في الطهارة والنضح لا يزيل النجاسة وحديث سهل في المذى دون غيره‏,‏ فلا يعدى لأن أحكام النجاسة تختلف وقوله‏:‏ حيث ترى أنه أصاب منه ‏"‏ محمول على من ظن أنه أصاب ناحية من ثوبه من غير تيقن‏,‏ فيجزئه نضح المكان أو غسله‏.‏

فصل

وإن خفيت النجاسة في فضاء واسع صلى حيث شاء ولا يجب غسل جميعه‏,‏ لأن ذلك يشق فلو منع من الصلاة أفضى إلى أن لا يجد موضعا يصلي فيه فأما إن كان موضعا صغيرا‏,‏ كبيت ونحوه فإنه يغسله كله لأنه لا يشق غسله فأشبه الثوب‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وما خرج من الإنسان‏ أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها من بول أو غيره فهو نجس‏]

يعنى ما خرج من السبيلين كالبول‏,‏ والغائط والمذى والودي‏,‏ والدم وغيره فهذا لا نعلم في نجاسته خلافا إلا أشياء يسيرة‏,‏ نذكرها -إن شاء الله تعالى- أما بول الآدمي فقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏في الذي مر به وهو يعذب في قبره إنه كان لا يستبرئ من بوله‏)‏ متفق عليه وروى في خبر ‏(‏أن عامة عذاب القبر من البول‏)‏ وأما الودى فهو ماء أبيض يخرج عقيب البول خاثر‏,‏ فحكمه حكم البول سواء لأنه خارج من مخرج البول وجار مجراه وأما المذى فهو ماء لزج رقيق يخرج عقيب الشهوة‏,‏ على طرف الذكر فظاهر المذهب أنه نجس قال هارون الحمال‏:‏ سمعت أبا عبد الله يذهب في المذى إلى أنه يغسل ما أصاب الثوب منه إلا أن يكون يسيرا وقد ذكرنا الاختلاف في العفو عن يسيره فيما مضى وروي عن أحمد - -رحمه الله- - أنه بمنزلة المنى قال في رواية محمد بن الحكم‏:‏ إنه سأل أبا عبد الله عن المذى أشد أو المني‏,‏ قال‏:‏ هما سواء ليسا من مخرج البول إنما هما من الصلب والترائب‏,‏ كما قال ابن عباس‏:‏ هو عندي بمنزلة البصاق والمخاط وذكر ابن عقيل نحو هذا وعلل بأن المذى جزء من المنى لأن سببهما جميعا الشهوة ولأنه خارج تحلله الشهوة‏,‏ أشبه المنى فظاهر المذهب أنه نجس لأنه خارج من السبيل ليس بدءا لخلق آدمي فأشبه البول‏,‏ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بغسل الذكر منه والأمر يقتضي الوجوب ثم اختلف عن أحمد‏:‏ هل يجزئ فيه النضح أو يجب غسله‏؟‏ قال‏,‏ في رواية محمد بن الحكم‏:‏ المذى يرش عليه الماء أذهب إلى حديث سهل بن حنيف ليس يدفعه شيء وإن كان حديثا واحدا وقال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله حديث سهل بن حنيف في المذي‏,‏ ما تقول فيه‏؟‏ قال‏:‏ الذي يرويه ابن إسحاق‏؟‏ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ لا أعلم شيئا يخالفه وهو ما روى سهل بن حنيف قال‏:‏ ‏(‏كنت ألقى من المذى شدة وعناء فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ يجزئك منه الوضوء قلت‏:‏ فكيف بما أصاب ثوبى منه‏؟‏ قال‏:‏ يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب منه‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح وروى عنه وجوب غسله‏,‏ قال محمد بن داود سألت أبا عبد الله عن المذى يصيب الثوب كيف العمل فيه‏؟‏ قال‏:‏ الغسل ليس في القلب منه شيء وقال‏:‏ حديث محمد بن إسحاق ربما تهيبته قال ابن المنذر‏:‏ وممن أمر بغسل المذى عمر وابن عباس وهو مذهب الشافعي وإسحاق وأبي ثور‏,‏ وكثير من أهل العلم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بغسل الذكر منه في حديث المقداد ولأنه نجاسة فوجب غسلها كسائر النجاسات‏,‏ ولحديث سهل بن حنيف قال أحمد‏:‏ حديث محمد بن إسحاق لا أعرفه عن غيره ولا أحكم لمحمد بن إسحاق وربما تهيبته وهذا ظاهر كلام الخرقي‏,‏ واختيار الخلال‏.‏

فصل

وفي رطوبة فرج المرأة احتمالان‏:‏ أحدهما أنه نجس لأنه في الفرج لا يخلق منه الولد أشبه المذى والثاني‏:‏ طهارته لأن عائشة كانت تفرك المنى من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو من جماع‏,‏ فإنه ما احتلم نبي قط وهو يلاقى رطوبة الفرج ولأننا لو حكمنا بنجاسة فرج المرأة‏,‏ لحكمنا بنجاسة منيها لأنه يخرج من فرجها فيتنجس برطوبته وقال القاضي‏:‏ ما أصاب منه في حال الجماع فهو نجس لأنه لا يسلم من المذى وهو نجس ولا يصح التعليل‏,‏ فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المنى دون المذى كحال الاحتلام‏.‏

فصل

فأما الخارج من غير السبيلين فالحيوانات فيه أربعة أقسام‏:‏ أحدها‏:‏ الآدمي‏,‏ فالخارج منه نوعان طاهر وهو ريقه ودمعه وعرقه ومخاطه ونخامته‏,‏ فإنه جاء ‏(‏عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في يوم الحديبية أنه ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه‏)‏ رواه البخاري ولولا طهارتها لم يفعلوا ذلك‏,‏ وفي حديث أبي هريرة ‏(‏‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال‏:‏ ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه‏,‏ فيتنخع أمامه أيحب أن يستقبل فيتنخع في وجهه‏؟‏ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا‏)‏ ووصف القاسم‏:‏ فتفل في ثوبه‏,‏ ثم مسح بعضه ببعض رواه مسلم ولو كانت نجسة لما أمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة ولا تحت قدمه ولا فرق بين ما يخرج من الرأس والبلغم الخارج من الصدر ذكره القاضي وهو مذهب أبي حنيفة وقال أبو الخطاب‏:‏ البلغم نجس لأنه طعام استحال في المعدة أشبه القيء ولنا‏,‏ أنه داخل في عموم الخبرين ولأنه أحد نوعى النخامة أشبه الآخر‏,‏ ولأنه لو كان نجسا نجس به الفم ونقض الوضوء ولم يبلغنا عن الصحابة رضي الله عنهم - مع عموم البلوى به - شيء من ذلك وقولهم ‏"‏ إنه طعام مستحيل في المعدة ‏"‏ غير مسلم‏,‏ إنما هو منعقد من الأبخرة فهو كالنازل من الرأس وكالمخاط ولأنه يشق التحرز منه‏,‏ أشبه المخاط النوع الثاني‏:‏ نجس وهو الدم وما تولد منه من القيح والصديد وما يخرج من المعدة من القيء والقلس‏,‏ فهذا نجس وقد تقدم بيان حكمه القسم الثاني‏:‏ ما أكل لحمه فالخارج منه ثلاثة أنواع‏:‏ أحدها‏,‏ نجس وهو الدم وما تولد منه الثاني‏,‏ طاهر وهو الريق والدمع والعرق واللبن فهذا لا نعلم فيه خلافا الثالث‏:‏ القيء ونحوه‏,‏ فحكمه حكم بوله لأنه طعام مستحيل فأشبه الروث وقد دللنا على طهارة بوله‏,‏ فهذا أولى وكذلك منيه القسم الثالث‏:‏ ما لا يؤكل لحمه ويمكن التحرز منه‏,‏ وهو نوعان‏:‏ أحدهما‏:‏ الكلب والخنزير فهما نجسان بجميع أجزائهما وفضلاتهما وما ينفصل عنهما الثاني‏,‏ ما عداهما من سباع البهائم وجوارح الطير والبغل والحمار فعن أحمد -رحمه الله- ‏,‏ أنها نجسة بجميع أجزائها وفضلاتها إلا أنه يعفى عن يسير نجاستها وعنه ما يدل على طهارتها فحكمها حكم الآدمي على ما فصل القسم الرابع‏:‏ ما لا يمكن التحرز منه‏,‏ وهو نوعان‏:‏ أحدهما ما ينجس بالموت وهو السنور وما دونه في الخلقة‏,‏ فحكمه حكم الآدمي ما حكمنا بنجاسته من الآدمي فهو منه نجس وما حكمنا بطهارته من الآدمي فهو منه طاهر‏,‏ إلا منيه فإنه نجس لأن منى الآدمي بدء خلق آدمي فشرف بتطهيره وهذا معدوم ها هنا النوع الثاني‏,‏ ما لا نفس له سائلة فهو طاهر بجميع أجزائه وفضلاته‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏إلا بول الغلام الذي لم يأكل الطعام فإنه يرش الماء عليه‏]

هذا استثناء منقطع‏,‏ إذ ليس معنى الكلام طهارة بول الغلام إنما أراد أن بول الغلام الذي لم يطعم الطعام يجزئ فيه الرش وهو أن ينضح عليه الماء حتى يغمره‏,‏ ولا يحتاج إلى رش وعصر وبول الجارية يغسل وإن لم تطعم وهذا قول على رضي الله عنه وبه قال عطاء‏,‏ والحسن والشافعي وإسحاق وقال القاضي‏:‏ رأيت لأبي إسحاق بن شاقلا كلاما يدل على طهارة بول الغلام لأنه لو كان نجسا لوجب غسله‏.‏

وقال الثوري وأبو حنيفة‏:‏ يغسل بول الغلام كما يغسل بول الجارية لأنه بول نجس فوجب غسله كسائر الأبوال النجسة ولأنه حكم يتعلق بالنجاسة‏,‏ فاستوى فيه الذكر والأنثى كسائر أحكامهما ‏.‏

ولنا ما روت أم قيس بنت محصن ‏(‏‏,‏ أنها أتت بابن لها صغير‏,‏ لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حجره فبال على ثوبه‏,‏ فدعا بماء فنضحه ولم يغسله‏)‏ وعن عائشة رضي الله عنها قالت ‏(‏‏,‏ أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بصبي‏,‏ فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله‏)‏ متفق عليهما وعن لبابة بنت الحارث قالت‏:‏ ‏(‏كان الحسين بن على في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فبال عليه فقلت‏:‏ البس ثوبا آخر‏,‏ وأعطنى إزارك حتى أغسله فقال‏:‏ إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الغلام الذكر‏)‏ رواه أبو داود وعن على رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل‏)‏ قال قتادة‏:‏ هذا ما لم يطعما الطعام‏,‏ فإذا طعما غسل بولهما رواه الإمام أحمد في مسنده وهذه نصوص صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فاتباعها أولى وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أصح من قول من خالفه‏.‏

فصل

قال أحمد‏:‏ الصبى إذا طعم الطعام‏,‏ وأراده واشتهاه غسل بوله‏,‏ وليس إذا أطعم لأنه قد يلعق العسل ساعة يولد والنبي - صلى الله عليه وسلم- حنك بالتمر ولكن إذا كان يأكل ويريد الأكل فعلى هذا ما يسقاه الصبى أو يلعقه للتداوى لا يعد طعاما يوجب الغسل‏,‏ وما يطعمه لغذائه وهو يريده ويشتهيه هو الموجب لغسل بوله والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏والبولة على الأرض يطهرها دلو من ماء‏]

وجملة ذلك أن الأرض إذا تنجست بنجاسة مائعة كالبول والخمر وغيرهما فطهورها أن يغمرها بالماء‏,‏ بحيث يذهب لون النجاسة وريحها فما انفصل عنها غير متغير بها فهو طاهر وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا تطهر الأرض حتى ينفصل الماء فيكون المنفصل نجسا لأن النجاسة انتقلت إليه فكان نجسا‏,‏ كما لو وردت عليه ‏.‏

ولنا ما روى أنس قال‏:‏ ‏(‏جاء أعرابى فبال في طائفة المسجد‏,‏ فزجره الناس فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم- فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه‏)‏ وفي لفظ‏:‏ فدعاه فقال‏:‏ ‏"‏ إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر‏,‏ وإنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن ‏"‏ أو كما ‏(‏قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمر رجلا فجاء بدلو من ماء فشنه عليه‏)‏ متفق عليه ولولا أن المنفصل طاهر لكان قد أمر بزيادة تنجيسه لأنه كان في موضع فصار في مواضع‏,‏ وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم- تطهير المسجد فإن قيل‏:‏ فقد روى عن ابن معقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏خذوا ما بال عليه من التراب وأهريقوا على مكانه ماء‏)‏ وروى أبو بكر بن عياش عن سمعان‏,‏ عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ فأمر به فحفر قلنا‏:‏ ليست هذه الزيادة في خبر متصل‏,‏ قاله الخطابي وحديث ابن معقل مرسل قال أبو داود‏:‏ ابن معقل لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم- وحديث سمعان منكر قاله الإمام وقال‏:‏ ما أعرف سمعان ولأن البلة الباقية في المحل بعد غسله طاهرة وهي بعض المنفصل فكذلك المنفصل وقولهم‏:‏ إن النجاسة انتقلت إليه قلنا‏:‏ بعد طهارتها‏,‏ لأن الماء لو لم يطهرها لنجس بها حال ملاقاته لها ولو نجس بها لما طهر المحل ولكان الباقي منه في المحل نجسا قال القاضي‏:‏ إنما يحكم بطهارة المنفصل إذا نشفت النجاسة‏,‏ وذهبت أجزاؤها ولم يبق إلا أثرها فإن كانت أجزاؤها باقية‏,‏ طهر المحل ونجس المنفصل وهذا الشرط الذي ذكره لم أره عن أحمد ولا يقتضيه كلام الخرقي‏,‏ ولا يصح لأنه إن أراد ببقاء أجزائها بقاء رطوبتها فهو خلاف الخبر فإن قوله‏:‏ فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه‏,‏ يدل على أنه صب عليه عقيب فراغه منه وإن أراد بقاء البول متنقعا فلا فرق بينه وبين الرطوبة فإن قليل البول وكثيره في التنجيس سواء والرطوبة أجزاء تنجس كما تنجس المتنقع‏,‏ فلا فرق إذا‏.‏

فصل

وإن أصاب الأرض ماء المطر أو السيول فغمرها وجرى عليها‏,‏ فهو كما لو صب عليها لأن تطهير النجاسة لا تعتبر فيه نية ولا فعل فاستوى ما صبه الآدمي وما جرى بغير صبه قال أحمد -رحمه الله- ‏,‏ في البول يكون في الأرض فتمطر عليه السماء‏:‏ إذا أصابه من المطر بقدر ما يكون ذنوبا كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يصب على البول فقد طهر وقال المروذي‏:‏ سئل أبو عبد الله عن ماء المطر يختلط بالبول‏,‏ فقال‏:‏ ماء المطر عندي لا يخالط شيئا إلا طهره إلا العذرة فإنها تقطع وسئل عن ماء المطر يصيب الثوب فلم ير به بأسا إلا أن يكون بيل فيه بعد المطر وقال‏:‏ كل ما ينزل من السماء إلى الأرض فهو نظيف‏,‏ داسته الدواب أو لم تدسه وقال في الميزاب‏:‏ إذا كان في الموضع النظيف فلا بأس بما قطر عليك من المطر إذا لم تعلم أنه قذر قيل له‏:‏ فأسأل عنه‏؟‏ قال‏:‏ لا تسأل وما دعاك إلى أن تسأل وهو ماء المطر إذا لم يكن موضع مخرج‏,‏ أو موضع قذر فلا تغسله واحتج في طهارة طين المطر بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد قال إسحاق بن منصور وقال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد واحتج بأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- والتابعين كانوا يخوضون المطر في الطرقات‏,‏ فلا يغسلون أرجلهم لما غلب الماء القذر وممن روى عنه أنه خاض طين المطر وصلى‏,‏ ولم يغسل رجليه عمر وعلى رضي الله عنهما وقال ابن مسعود‏:‏ كنا لا نتوضأ من موطئ ونحوه عن ابن عباس وقال بذلك سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعبد الله بن معقل بن مقرن والحسن‏,‏ وأصحاب الرأي وعوام أهل العلم لأن الأصل الطهارة فلا تزول بالشك‏.‏

فصل

ولا تطهر الأرض حتى يذهب لون النجاسة ورائحتها لأن بقاءهما دليل على بقاء النجاسة فإن كانت مما لا يزول لونها إلا بمشقة سقط عنه إزالتها‏,‏ كالثوب وكذلك الحكم في الرائحة ‏"‏ ‏.‏

فصل

وإذا كانت النجاسة ذات أجزاء متفرقة كالرميم‏,‏ والروث والدم إذا جف فاختلطت بأجزاء الأرض‏,‏ لم تطهر بالغسل لأن عينها لا تنقلب ولا تطهر إلا بإزالة أجزاء المكان بحيث يتيقن زوال أجزاء النجاسة ولو بادر البول وهو رطب‏,‏ فقلع التراب الذي عليه أثره فالباقي طاهر لأن النجس كان رطبا وقد زال وإن جف فأزال ما وجد عليه الأثر لم يطهر لأن الأثر إنما يبين على ظاهر الأرض‏,‏ لكن إن قلع ما تيقن به زوال ما أصابه البول فالباقي طاهر فصل‏:‏ ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح ولا جفاف وهذا قول أبي ثور وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن‏:‏ تطهر إذا ذهب أثر النجاسة وقال أبو قلابة‏:‏ جفوف الأرض طهورها لأن ابن عمر روى أن الكلاب كانت تبول وتقبل وتدبر في المسجد‏,‏ فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك أخرجه أبو داود ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أهريقوا على بوله سجلا من ماء‏)‏ والأمر يقتضي الوجوب ولأنه محل نجس‏,‏ فلم يطهر بغير الغسل كالثياب وأما حديث ابن عمر‏,‏ فرواه البخاري وليس فيه ذكر البول ويحتمل أنه أراد أنها كانت تبول ثم تقبل وتدبر في المسجد‏,‏ فيكون إقبالها وإدبارها فيه بعد بولها‏.‏

فصل

ولا تطهر النجاسة بالاستحالة فلو أحرق السرجين النجس فصار رمادا أو وقع كلب في ملاحة فصار ملحا‏,‏ لم تطهر لأنها نجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحا أو صديدا وخرج عليه الخمر‏,‏ فإنه نجس بالاستحالة فجاز أن يطهر بها‏.‏

فصل

والمنفصل من غسالة النجاسة ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏ أحدها‏:‏ أن ينفصل متغيرا بها‏,‏ فهو نجس إجماعا لأنه متغير بالنجاسة فكان نجسا كما لو وردت عليه الثاني‏:‏ أن ينفصل غير متغير قبل طهارة المحل‏,‏ فهو نجس أيضا لأنه ماء يسير لاقى نجاسة لم يطهرها فكان نجسا كالمتغير‏,‏ وكالباقي في المحل فإن الباقي في المحل نجس وهو جزء من الماء الذي غسلت به النجاسة‏,‏ ولأنه كان في المحل نجسا وعصره لا يجعله طاهرا الثالث‏:‏ أن ينفصل غير متغير من الغسلة التي طهرت المحل ففيه وجهان‏,‏ أصحهما أنه طاهر وهو قول الشافعي لأنه جزء من المتصل والمتصل طاهر فكذلك المنفصل‏,‏ ولأنه ماء أزال حكم النجاسة ولم يتغير بها فكان طاهرا‏,‏ كالمنفصل من الأرض والثاني هو نجس وهو قول أبي حنيفة لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فنجس بها‏,‏ كما لو وردت عليه وإذا حكمنا بطهارته فهل يكون طهورا‏؟‏ على وجهين‏:‏ أحدهما‏,‏ يكون طهورا لأن الأصل طهوريته ولأن الحادث فيه لم ينجسه ولم يغيره‏,‏ فلم تزل طهوريته كما لو غسل به ثوبا طاهرا والثاني أنه غير مطهر‏,‏ لأنه أزال مانعا من الصلاة أشبه ما رفع به الحدث‏.‏

فصل

إذا جمع الماء الذي أزيلت به النجاسة قبل طهارة المحل وبعده في إناء واحد وكان دون القلتين‏,‏ فالجميع نجس تغير أو لم يتغير وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ هو طاهر لأنه ماء أزيلت به النجاسة ولم يتغير بها فأشبه ماء الغسلة التي طهرت المحل ولنا‏,‏ أنه اجتمع الماء النجس والطاهر وهو يسير فكان نجسا كما لو اجتمع مع ماء غير الذي غسل المحل‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا نسي فصلى بهم جنباً أعاد وحده‏]

وجملته أن الإمام إذا صلى بالجماعة محدثًا أو جنبًا غير عالم بحدثه‏,‏ فلم يعلم هو ولا المأمومون حتى فرغوا من الصلاة فصلاتهم صحيحة‏,‏ وصلاة الإمام باطلة روى ذلك عن عمر وعثمان وعلي‏,‏ وابن عمر رضي الله عنهم وبه قال الحسن وسعيد بن جبير‏,‏ ومالك والأوزاعي والشافعي‏,‏ وسليمان بن حرب وأبو ثور وعن على أنه يعيد ويعيدون وبه قال ابن سيرين والشعبي وأبو حنيفة وأصحابه لأنه صلى بهم محدثا‏,‏ أشبه ما لو علم ولنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم روى أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس الصبح‏,‏ ثم خرج إلى الجرف فأهرق الماء فوجد في ثوبه احتلاما‏,‏ فأعاد ولم يعيدوا وعن محمد بن عمرو بن المصطلق الخزاعى أن عثمان صلى بالناس صلاة الفجر فلما أصبح وارتفع النهار فإذا هو بأثر الجنابة فقال‏:‏ كبرت والله‏,‏ كبرت والله فأعاد الصلاة ولم يأمرهم أن يعيدوا وعن علي‏,‏ أنه قال‏:‏ إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد ولا آمرهم أن يعيدوا وعن ابن عمر أنه صلى بهم الغداة‏,‏ ثم ذكر أنه صلى بغير وضوء فأعاد ولم يعيدوا رواه كله الأثرم وهذا في محل الشهرة ولم ينقل خلافه‏,‏ فكان إجماعا ولم يثبت ما نقل عن على في خلافه وعن البراء بن عازب أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا صلى الجنب بالقوم‏,‏ أعاد صلاته وتمت للقوم صلاتهم‏)‏ أخرجه أبو سليمان محمد بن الحسن الحرانى في ‏"‏ جزء ‏"‏ ولأن الحدث مما يخفى‏,‏ ولا سبيل للمأموم إلى معرفته من الإمام فكان معذورا في الاقتداء به ويفارق ما إذا كان على الإمام حدث نفسه لأنه يكون مستهزئا بالصلاة فاعلا لما لا يحل وكذلك إن علم المأموم‏,‏ فإنه لا عذر له في الاقتداء به وقياس المعذور على غيره لا يصح والحكم في النجاسة كالحكم في الحدث سواء لأنها إحدى الطهارتين فأشبهت الأخرى‏,‏ ولأنها في معناها في خفائها على الإمام والمأموم بل حكم النجاسة أخف وخفاؤها أكثر‏,‏ إلا أن في النجاسة رواية أخرى أن صلاة الإمام تصح أيضا إذا نسيها‏.‏

فصل

إذا علم بحدث نفسه في الصلاة‏,‏ أو علم المأمومون لزمهم استئناف الصلاة نص عليه قال الأثرم‏:‏ سألت أبا عبد الله عن رجل صلى بقوم وهو غير طاهر‏,‏ بعض الصلاة فذكر‏؟‏ قال‏:‏ يعجبني أن يبتدئوا الصلاة قلت له‏:‏ يقول لهم استأنفوا الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكن ينصرف ويتكلم‏,‏ ويبتدئون هم الصلاة وقال ابن عقيل‏:‏ فيه عن أحمد -رحمه الله- رواية أخرى إذا علم المأمومون أنهم يبنون على صلاتهم وقال الشافعي‏:‏ يبنون على صلاتهم‏,‏ سواء علم بذلك أو علم المأمومون لأن ما مضى من صلاتهم صحيح فكان لهم البناء عليه‏,‏ كما لو قام إلى خامسة فسبحوا به فلم يرجع ولنا أنه ائتم بمن صلاته فاسدة مع العلم منهما أو من أحدهما أشبه ما لو ائتم بامرأة وإنما خولف هذا فيما إذا استمر الجهل منهما للإجماع ولأن وجوب الإعادة على المأمومين حال استمرار الجهل يشق‏,‏ لتفرقهم بخلاف ما إذا علموا في الصلاة وإن علم بعض المأمومين دون بعض فالمنصوص أن صلاة الجميع تفسد‏,‏ والأولى أن يختص البطلان بمن علم دون من جهل لأنه معنى مبطل اختص به فاختص بالبطلان كحدث نفسه‏.‏

فصل

إذا اختل غير ذلك من الشروط في حق الإمام‏,‏ كالستارة واستقبال القبلة لم يعف عنه في حق المأموم لأن ذلك لا يخفى غالبا بخلاف الحدث والنجاسة وكذا إن فسدت صلاته لترك ركن‏,‏ فسدت صلاتهم نص عليه أحمد في من ترك القراءة يعيد ويعيدون‏,‏ وكذلك في من ترك تكبيرة الإحرام‏.‏

فصل

وإن فسدت لفعل يبطل الصلاة فإن كان عن عمد أفسد صلاة الجميع‏,‏ وإن كان عن غير عمد لم تفسد صلاة المأمومين نص عليه أحمد في الضحك أنه يبطل صلاة الإمام ولا تفسد صلاة المأمومين‏,‏ وعن أحمد في من سبقه الحدث روايتان‏:‏ إحداهما أن صلاة المأمومين تفسد لأنه أمر أفسد صلاة الإمام فأفسد صلاة المأمومين كترك الشرط‏,‏ وقد ثبت هذا الحكم في الشرط بما روى عن عمر رضي الله عنه أنه صلى بالناس المغرب فلم يسمعوا له قراءة‏,‏ فلما قضى صلاته قالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين كأنك خفضت من صوتك‏:‏ قال‏:‏ وما سمعتم‏؟‏ قالوا‏:‏ ما سمعنا لك قراءة قال‏:‏ فما قرأت في نفسى شغلتنى عير جهزتها إلى الشام ثم قال‏:‏ لا صلاة إلا بقراءة ثم أقام فأعاد وأعاد الناس والصحيح الأول لأن عمر رضي الله عنه لما طعن وهو في الصلاة‏,‏ أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فأتم بهم الصلاة ولو فسدت صلاتهم للزمهم استئنافها‏,‏ ولا يصح القياس على ترك الشرط لأن الشرط آكد بدليل أنه لا يعفى عنه بالنسيان بخلاف المبطل‏.‏

فصل

إذا سبق الإمام الحدث فله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة روى ذلك عن عمر وعلي‏,‏ وعلقمة وعطاء والحسن‏,‏ والنخعي والثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن أحمد رواية أخرى أن صلاة المأمومين تبطل لأن أحمد قال‏:‏ كنت أذهب إلى جواز الاستخلاف‏,‏ وجبنت عنه وقال أبو بكر‏:‏ تبطل صلاتهم رواية واحدة لأنه فقد شرط صحة الصلاة في حق الإمام فبطلت صلاة المأموم‏,‏ كما لو تعمد الحدث ولنا أن عمر رضي الله عنه لما طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه‏,‏ فأتم بهم الصلاة وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا وقد احتج أحمد بقول عمر وعلي‏,‏ وقولهما عنده حجة فلا معدل عنه وقول أحمد‏:‏ جبنت عنه إنما يدل على التوقف وتوقفه مرة لا يبطل ما انعقد الإجماع عليه وإذا ثبت هذا فإن للإمام أن يستخلف من يتم بهم الصلاة‏,‏ كما فعل عمر رضي الله عنه وإن لم يستخلف فقدم المأمومون منهم رجلا فأتم بهم جاز وإن صلوا وحدانا جاز قال الزهري في إمام ينوبه الدم أو رعف أو يجد مذيا ينصرف‏,‏ وليقل‏:‏ أتموا صلاتكم وقال الشافعي في آخر قوليه‏:‏ الاختيار أن يصلي القوم فرادى إذا كان ذلك ولعل توقف أحمد إنما كان في الاستخلاف لا في صحة صلاة المأمومين‏,‏ فإنه قد نص على أن صلاة المأمومين لا تفسد بضحك الإمام فهذا أولى وإن قدمت كل طائفة من المأمومين لهم إماما فصلى بهم فقياس المذهب جوازه‏,‏ وهو مذهب الشافعي وقال أصحاب الرأي‏:‏ تفسد صلاتهم كلهم ولنا أن لهم أن يصلوا وحدانا فكان لهم أن يقدموا رجلا كحالة ابتداء الصلاة وإن قدم بعضهم رجلا‏,‏ وصلى الباقون وحدانا جاز‏.‏

فصل

فأما الذي سبقه الحدث فتبطل صلاته‏,‏ ويلزمه استئنافها قال أحمد‏:‏ يعجبني أن يتوضأ ويستقبل هذا قول الحسن وعطاء والنخعي ومكحول وعن أحمد أنه يتوضأ ويبنى وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس لما روي عن عائشة‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف فليتوضأ‏,‏ وليبن على ما مضى من صلاته‏)‏ وعنه رواية ثالثة إن كان الحدث من السبيلين ابتدأ‏,‏ وإن كان من غيرهما بنى لأن حكم نجاسة السبيل أغلظ والأثر إنما ورد بالبناء في الخارج من غير السبيل فلا يلحق به ما ليس في معناه والصحيح الأول لما روى على بن طلق‏,‏ قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا فسا أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ‏,‏ وليعد صلاته‏)‏ رواه أبو داود والأثرم وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه ‏(‏‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان قائما يصلي بهم‏,‏ فانصرف ثم جاء ورأسه يقطر فقال‏:‏ إني قمت بكم‏,‏ ثم ذكرت إني كنت جنبًا ولم أغتسل فانصرفت فاغتسلت فمن أصابه منكم مثل الذي أصابني‏,‏ أو أصابه في بطنه رز فلينصرف فليغتسل أو ليتوضأ‏,‏ وليستقبل صلاته‏)‏ رواه الأثرم ولأنه فقد شرط الصلاة في أثنائها على وجه لا يعود إلا بعد زمن طويل وعمل كثير ففسدت صلاته كما لو تنجس نجاسة يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك‏,‏ أو انكشفت عورته ولم يجد السترة إلا بعيدة منه أو تعمد الحدث أو انقضت مدة المسح‏,‏ وحديثهم ضعيف‏.‏

فصل

قال أصحابنا‏:‏ يجوز أن يستخلف من سبق ببعض الصلاة ولمن جاء بعد حدث الإمام فيبنى على ما مضى من صلاة الإمام من قراءة أو ركعة أو سجدة‏,‏ ويقضى بعد فراغ صلاة المأمومين وحكي هذا القول عن عمر وعلى وأكثر من وافقهما في الاستخلاف وفيه رواية أخرى أنه مخير بين أن يبنى أو يبتدئ قال مالك‏:‏ ويصلى لنفسه صلاة تامة‏,‏ فإذا فرغوا من صلاتهم قعدوا وانتظروه حتى يتم ويسلم معهم لأن اتباع المأمومين للإمام أولى من اتباعه لهم فإن الإمام إنما جعل ليؤتم به وعلى كلتا الروايتين إذا فرغ المأمومون قبل فراغ إمامهم وقام لقضاء ما فاته‏,‏ فإنهم يجلسون وينتظرونه حتى يتم ويسلم بهم لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف فانتظارهم له أولى وإن سلموا ولم ينتظروه جاز وقال ابن عقيل‏:‏ يستخلف من يسلم بهم والأولى انتظاره وإن سلموا لم يحتاجوا إلى خليفة‏,‏ فإنه لم يبق من الصلاة إلا السلام فلا حاجة إلى الاستخلاف فيه ويقوى عندي أنه لا يصح الاستخلاف في هذه الصورة لأنه إن بنى جلس في غير موضع جلوسه وصار تابعا للمأمومين‏,‏ وإن ابتدأ جلس المأمومون في غير موضع جلوسهم ولم يرد الشرع بهذا وإنما ثبت الاستخلاف في موضع الإجماع حيث لم يحتج إلى شيء من هذا‏,‏ فلا يلحق به ما ليس في معناه والله أعلم‏.‏

فصل

وإذا استخلف من لا يدرى كم صلى‏؟‏ احتمل أن يبنى على اليقين فإن وافق الحق وإلا سبحوا به‏,‏ فرجع إليهم ويسجد للسهو وقال النخعي‏:‏ ينظر ما يصنع من خلفه وقال الشافعي يتصنع فإن سبحوا به جلس‏,‏ وعلم أنها الرابعة وقال الأوزاعي‏:‏ يصلي بهم ركعة لأنه تيقن بقاء ركعة ثم يتأخر ويقدم رجلا يصلي بهم ما بقي من صلاتهم فإذا سلم قام الرجل فأتم صلاته وقال مالك‏:‏ يصلي لنفسه صلاة تامة فإن فرغوا من صلاتهم قعدوا وانتظروه والأقوال الثلاثة الأولى متقاربة ولنا‏,‏ على أنه لا يستخلف أنه إن شك في عدد الركعات فلم يجز له الاستخلاف لذلك‏,‏ كغير المستخلف ولنا على أنه يبنى على اليقين أنه شك ممن لا ظن له فوجب البناء على اليقين‏,‏ كسائر المصلين‏.‏

فصل

ومن أجاز الاستخلاف فقد أجاز نقل الجماعة إلى جماعة أخرى للعذر‏,‏ ويشهد لذلك ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- جاء وأبو بكر في الصلاة فتأخر أبو بكر وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم- فأتم بهم الصلاة وفعل هذا مرة أخرى جاء حتى جلس إلى جانب أبي بكر عن يسار‏,‏ وأبو بكر عن يمينه قائم يأتم بالنبى - صلى الله عليه وسلم- ويأتم الناس بأبى بكر‏)‏ وكلا الحديثين صحيح متفق عليهما وهذا يقوى جواز الاستخلاف والانتقال من جماعة إلى جماعة أخرى حال العذر فيخرج من هذا أنه لو أدرك اثنان بعض الصلاة مع الإمام فلما سلم الإمام ائتم أحدهما بصاحبه‏,‏ ونوى الآخر إمامته أن ذلك يصح لأنه في معنى الاستخلاف ومن لم يجز الاستخلاف لم يجز ذلك ولو تخلف إمام الحي من الصلاة لغيبة‏,‏ أو مرض أو عذر وصلى غيره‏,‏ وحضر إمام الحي في أثناء الصلاة فتأخر الإمام وتقدم إمام الحي‏,‏ فبنى على صلاة خليفته كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر ففي ذلك وجهان‏:‏ أحدهما‏,‏ يجوز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعله فيجوز لغيره أن يفعل مثل فعله والثاني لا يجوز لاحتمال أن يكون ذلك خاصا بالنبى - صلى الله عليه وسلم- لعدم مساواة غيره له في الفضل‏.‏

فصل

إذا وجد المبطل في المأموم دون الإمام‏,‏ مثل أن يكون المأموم محدثًا أو نجسا ولم يعلم بذلك إلا بعد فراغه من الصلاة أو سبقه الحدث في أثناء الصلاة أو ضحك أو تكلم أو ترك ركنا أو غير ذلك من المبطلات‏,‏ ولم يكن مع الإمام من تنعقد به الصلاة سواه فقياس المذهب أن حكمه كحكم الإمام معه على ما فصلناه لأن ارتباط صلاة الإمام بالمأموم كارتباط صلاة المأموم بالإمام فما فسد ثم فسد ها هنا‏,‏ وما صح ثم صح ها هنا والله أعلم‏.‏

فصل

قال أحمد -رحمه الله- ‏,‏ في رجلين أم أحدهما صاحبه فشم كل واحد منهما ريحا أو سمع صوتا يعتقد أنه من صاحبه وكل يقول ليس منى‏:‏ يتوضآن جميعا‏,‏ ويصليان إنما فسدت صلاتهما لأن كل واحد منهما يعتقد فساد صلاة صاحبه وأنه صار فذا وهذا على الرواية التي تقول بفساد صلاة كل واحد من الإمام والمأموم بفساد صلاة صاحبه لكونه صار فذا وعلى الرواية المنصورة‏,‏ ينوي كل واحد منهما الانفراد ويتم صلاته ويحتمل أنه إنما قضى بفساد صلاتهما إذا أتما الصلاة على ما كان عليه من غير فسخ النية فإن المأموم يعتقد أنه مؤتم بمحدث‏,‏ والإمام يعتقد أنه يؤم محدثًا وأما الوضوء فلعل الإمام أحمد -رحمه الله- إنما أراد بقوله‏:‏ يتوضآن لتصح صلاتهما جماعة إذ ليس لأحدهما أن يأتم بصاحبه أو يؤمه مع اعتقاد حدثه‏,‏ ولعله أمر بذلك احتياطا أما إذا صليا منفردين فإنه لا يجب الوضوء على واحد منهما لأن يقين الطهارة موجود في كل واحد منهما والحدث مشكوك فيه‏,‏ فلا يزول اليقين بالشك‏.‏

فصل

ونقل عن أحمد -رحمه الله- في إمام صلى بقوم‏,‏ فشهد اثنان عن يمينه أنه أحدث وأنكر الإمام وبقية المأمومين‏:‏ يعيد ويعيدون وهذا لأن شهادتهما إثبات يقدم على النفي‏,‏ لاحتمال علمهما به مع خفائه عنه وعن بقية المأمومين وقوله‏:‏ ‏"‏ يعيدون ‏"‏ لأن المأمومين متى علم بعضهم بحدث إمامهم لزمت الجميع الإعادة على المنصوص ويحتمل أنه تختص الإعادة من علم دون غيره على ما تقدم والله أعلم‏.‏